الاثنين، 20 أغسطس 2007



علي اليسار
رياح الخماسين
على اليمين
مختار
ينحت
تمثال الوجه القبلي
قاعدة سعد زغلول
الإسكندرية

السبت، 4 أغسطس 2007



مخربشات
.....
الأمة وثوابتها
عماد أبو غازي
نشرت في (أبريل 2005)الدستور القاهرية

يوم 27 مارس يصادف ذكرى وفاة نحات مصر الكبير محمود مختار، وفي احتفال صغير سلمت تمثالا مجهولا من تماثيل مختار ليودع في متحفه بعد ثمانين عاما على نحته له، وهو تمثال كاريكاتوري يسخر فيه الفنان من زعيم الأمة سعد زغلول، والتمثال يُعرض للمرة الأولى، وإن كنت قد عرضت صورا له في ندوة أقيمت بالمتحف أثناء الاحتفال بالمئوية الأولى لميلاد مختار عام 1991، ونشرت بعض هذه الصور في مقال بمجلة الهلال وآخر بجريدة الدستور.
في أعقاب إزاحة الستار عن التمثال الصغير بدأت تعليقات الحضور، أكثر ما لفت انتباهي فيها تعليق الأستاذ محمود مرسي مدرس التربية الفنية، الذي اعترض على عرض التمثال بالمتحف، وقال: إنه لا يستطيع أن يأتي مع تلاميذه إلى المتحف ويريهم هذا التمثال، لما يراه فيه من إساءة لمختار ولسعد، لأنه عمل ضد التقاليد والقيم والأخلاق القويمة !!
تذكرت على الفور الضجة التي أثيرت منذ أسابيع بسبب فيديو كليب للمنلوجست سعد الصغير، و لم أكن قد رأيته حتى ذلك الحين، ووصلت الأمور إلى حد اتهامه بالإساءة لتاريخنا الوطني، والسخرية من رموزنا القومية والتطاول على ثوابت الأمة، وكل ذلك لأن فكرة الكليب تعتمد على الخلط بين شخصية الزعيم سعد زغلول والمنلوجست سعد الصغير اعتمادا على اشتراكهما في الاسم الأول سعد، وحاولت مشاهدة الكليب على أي من القنوات التليفزيونية لأعرف مقدار الجرم الذي ارتكبه الصغير، ولكني لم أصادفه أبدا، إلى أن شاهدته ذات مرة على شاشة عرض بمحطة من محطات مترو الأنفاق، ولم أجد فيه ما يستدعي حملة التجريم التي شنها بعض الكتاب على تلك الأغنية الخفيفة، قد يعجب بها البعض منا وقد لا يستسيغها ولا يتذوقها البعض الأخر، لكن الأمر لا يمكن أن يصل إلى هذا الحد من الضيق بالفكاهة والنكتة.
وفي لحظات تداعت على ذهني خواطر متوالية حول هالات التقديس التي أصبحنا نضفيها على شخصيات لعبت دورا في تاريخنا السياسي أو الثقافي أو الفني، أو على أحداث أو حتى أماكن، فأصبح الاقتراب من هذه المناطق أحد المحرمات في حياتنا.
منذ أسابيع قليلة عندما أثارت الدكتورة رتيبة الحفني موضوع زواج مصطفى أمين من أم كلثوم، تعرضت للهجوم كأنها اتهمتهما ـ لا سمح الله ـ بارتكاب عمل مشين وليس زواجا على سنة الله ورسوله، وبغض النظر عن صحة الواقعة أو عدم صحتها، فالأمر لا يستدعي تلك الحالة الهيستيرية من الهجوم على الدكتورة، وقبلها قامت الدنيا ولم تقعد لأن الممثل محمد سعد غنى أغنية من أغنيات أم كلثوم بأداء كوميدي، وهاجمه الكتاب في الصحف وضيوف البرامج التلفزيونية باعتباره يدمر تراثنا الفني ويسيء إليه، لماذا هذه الضجة؟ ... قبل محمد سعد بأربعين سنة قدم كوميديانات كبار مثل إسماعيل يس وفؤاد المهندس مشاهد في أفلامهم ومسرحياتهم استخدموا فيها مقاطع من أغاني لأم كلثوم ونجاة الصغيرة وعبد الحليم حافظ قاموا بأدائها بصورة ساخرة، لم نسمع أن أم كلثوم اعترضت، ولم يؤد ذلك إلى تدمير تراثها الغنائي الذي عاش وسيعيش دون هذا الدفاع المتشنج عنه والذي يحوله إلى مقدس ديني يعلو فوق النقد وفوق أي تعامل إنساني معه، تذكرت عشرات من الحالات المماثلة في السنوات الأخيرة كلها تعكس حالة ضيق الصدر بالسخرية وبالنقد اللاذع التي أصبح يعيشها مجتمعنا، والتي هي نتاج لضيق أفق شديد، اتسعت بسببه "ثوابت الأمة" وامتدت من ثوابت الدين إلى السياسة لتصل اليوم الغناء.
قطعت شريط أفكاري فقد كان علي أن أرد على الأستاذ محمود مرسي، وقلت له: إن سعد زغلول الذي سخر منه مختار هذه السخرية في تمثاله، وأكثر منها في رسومه الكاريكاتورية التي أطلق عليها اسم "الزغلوليات"، لم يتهم مختار بالخيانة، ولم يصدر أمرا باعتقاله وهو على رأس السلطة، ولم يقاضيه أو يتهمه بالسب والقذف، بل بمجرد أن التقيا مصادفة تصافحا، وزار سعد مختار في موقع العمل بتمثال نهضة مصر قبل إزاحة الستار عنه، وهكذا يكون سلوك الكبار وسلوك الزعماء، فمادام سعد قد تصدى للعمل العام فعليه أن يقبل النقد والسخرية من شخصه العام، مهما كانت هذه السخرية لاذعة وقاسية.
إن سعد وأم كلثوم وغيرهما من صناع تاريخنا وحضارتنا ومن رموز ثقافتنا قدموا إسهامات مهمة لهذا البلد، ولكنهم بشر يجوز لنا أن ننتقدهم في حياتهم وبعد موتهم، كما يحق لنا وللأجيال من بعدنا أن نعيد استخدام بعض من تراثهم في شكل ساخر، فالشعوب القادرة على السخرية من نفسها ومن موروثها هي الشعوب القابلة للحياة السليمة وللتطور، وليس من حق كائن من كان أن ينصب نفسه حارسا للقيم أو قيما على الناس باسم الدفاع عن ثوابت الأمة وحمايتها، فالناس قادرون على تمييز الغث من الثمين، والثوابت ـ لو كانت ثوابت بالفعل ـ لن تهتز من مونولوج أو فيلم سينمائي أو مقال أو كتاب.
يا ناس شوية تسامح، وشوية قبول للآخر المختلف، وشوية تقبل للنقد والسخرية، فنحن أبناء حضارة اخترعت السخرية منذ آلاف السنيين، وظلت تمارسها عبر تاريخها، ولم تؤد هذه السخرية مهما كانت لاذعة إلى تقويض حضارتنا أو تدمير قيمنا أو تشويه ثقافتنا بل على العكس زادتها قوة.
وأقول لأخوانا بتوع "الثوابت" أن السخرية اللاذعة هي ثابت الثوابت في تاريخ مصر
!!!