الثلاثاء، 17 أبريل 2007



ثومه ومختار
عماد أبو غازي

منذ أسابيع قليلة أثير موضوع زوج أم كلثوم والصحفي الكبير مصطفى أمين، يومها تذكرت واقعة مرت بي منذ عام تقريبا، عندما دخل عليّ في مكتبي صديقي الشاعر حسن خضر مبتسما كعادته، وقدم لي صفحة مصورة من مجلة قديمة عنوانها: "أم كلثوم تتزوج سبع مرات"، والمقال بتوقيع "حسن"، وأخبرني أن محرر المقال هو الأستاذ حسن رمزي، وقد وقع على المقال في عدد قديم من مجلة "الأستوديو"، التي كانت تصدر في الأربعينيات من القرن الماضي، والمقال كان منشورا في العدد 53 الصادر يوم الأربعاء 4 أغسطس 1948، وعندما لاحظ حسن خضر نظرات عيني تتساءل: "وما لي أنا ومال أم كلثوم اتجوزت سبع مرات وألا سبعين مرة؟" أسرع موضحا: الجواز الثالث يخصك. فسألت متعجبا: "يخصني أنا! ليه؟"، فقال لي: "أقرا وأنت تشوف". فقرأت:
"أما الزواج الثالث فكان للإشاعات نصيب كبير فيه، فقد لاحظ أصدقاء (ثومه) أن المثال المشهور المرحوم محمود مختار كان يكثر من التردد عليها والانفراد بها ساعات .. مما جعلهم يفسرون ذلك بأن مختار متزوج من أم كلثوم سرا، وقد راجت هذه الإشاعة فعلا، وكان الناس يصدقونها لولا أن أعلنت الحقيقة، وهي أن مختار كان يصنع لها تمثالا.. وقد انقطع عن الزيارة عندما انتهى من صنعه".

فهمت قصد الحسنان، حسن خضر الذي اعتبر الموضوع يخصني لأنه كانت هناك إشاعة زواج بين جدي وأم كلثوم، وحسن رمزي كاتب المقال حيث يشير إلى تمثال من الشمع صنعه مختار لأم كلثوم في مطلع العشرينيات ليوضع في متحف جريفان للتماثيل الشمعية بباريس، وكان مختار يعمل في ذلك الوقت مديرا فنيا للمتحف، وطلب منه أن يصنع تمثالا لشخصية تمثل الإبداع الفني في مصر، فاختار مختار أم كلثوم، وصنع لها تمثالا شمعيا وضع في إحدى قاعات المتحف إلى جانب تمثال راقصة البالية الروسية الشهيرة آنا بافلوفا، وهذه التماثيل دمرت للأسف أثناء الحرب العالمية الثانية، فعندما كنا نحتفل بالمئوية الأولى لميلاد مختار سنة 1991 أرسلنا للمتحف نطلب منهم معلومات عن مختار وتماثيله لديهم، فجاءنا الرد أن المتحف دمر بما فيه من أعمال وسجلات أثناء الحرب العالمية الثانية، فأرسلنا نحن لهم صورا لما لدينا من تماثيل وأوراق تخص فترة عمل مختار بمتحفهم.
ورغم أن مختار صنع تمثالا آخر لأم كلثوم، هو تمثال نصفي صغير لم يتبق منه سوى صورته، إلا أنني أعتقد أن القصة التي أشار إليها حسن رمزي في مقاله تتعلق بالتمثال الأول، تمثال متحف جريفان، فالتمثال الثاني مجهول المصير، ولا يعرف أحد إن كان مختار قد أكمله أم لا؟ والمصدر الوحيد لمعرفتنا بالتمثال الأخير هو صورة منشورة له وهو بعد منحوتا في الطين لم يصب، والصورة منشورة في كتاب بدر الدين أبو غازي عن مختار، وأذكر جيدا أن بدر الدين أبو غازي سأل السيدة أم كلثوم ذات مرة في منتصف الستينيات عن مصير هذا التمثال، فأبدت استغرابها التام وأخبرته أنها لا تعرف شيء على الإطلاق عن هذا التمثال! وإذا كانت أم كلثوم قد جلست أمام مختار ليصنع لها ذلك التمثال فلا شك في أنها كانت ستتذكره، وأعتقد أن مختار قد نحت التمثال من صورة فوتوغرافية لأم كلثوم، وهي صورة موجودة بالفعل في أوراقه الخاصة ترتدي فيها أم كلثوم عصبة رأس تماثل تمام تلك التي نحتها مختار في تمثاله لها.
دارت كل هذه الخواطر في ذهني ورويتها لحسن، وعندما عدت إلى المنزل في المساء أخذت أقلب في أوراق مختار الخاصة وكانت المفاجأة خطاب غير مؤرخ مرسل لمختار من صديقه الدكتور حافظ عفيفي (حافظ باشا عفيفي رئيس الديوان الملكي لاحقا)، الجزء الأكبر من الخطاب يدور حول أم كلثوم وعلاقتها بمختار وغضبه منها، يقول حافظ عفيفي في خطابه:

"عزيزي مختار
سرني ما قرأت من أخبارك في خطابك الأخير، وسرني أكثر من هذا أملك وأمل أساتذتك في نجاحك في المعرض القادم، وإني وجميع أصدقائك هنا نعتقد أنك جدير بالنجاح، فعليك بالعمل وسيكون هذا النجاح حليفك.
أخبرتني ثومه اليوم أنه لم يصلك منها خطابات وقد دهشت لهذا الخبر، أولا لأني كتبت لها بنفسي عنوانا لخطاب أرسلته لك، ولكني زالت دهشتي بعد ذلك إذ تذكرت أني أخطأت العنوان فقد كتبت على الظرف شارع بدلا من طريق، وقد وقعنا في هذا الخطأ في السياسة التي أرسلت لك في يوم سفرك بهذا العنوان حتى أرسلت لي خطابا تندهش من عدم وصول السياسة إليك فحققت المسألة بنفسي فاتضح لي هذا الخطأ، وعلى ذلك فلا لوم على سومه في هذا الموضوع، ولكن اللوم عليّ أنا، فإن كان لابد من الغضب بعد هذا البيان فاغضب مني لا من سومه، وكيف يمكن سومه أن تقصر في واجب الرد عليك وقد عملت لها ما عملت وتعترف بأفضالك في كل فرصة مع أنك تعرف إنها بخيله بتقديم التشكرات، حتى إنك كنت دائما تقول لها: هو المفروض بنقول إيه؟ إذا وجدت أنها قصرت في هذا الموضوع، وأني أؤكد لك أني لم أشعر بضرورة أن أقول لها ذلك فيما يختص بما تعمله أنت لها، فإنها دائما شاكرة مسرورة، والآن وقد صححت لها العنوان فلابد أن يصلك منها من الخطابات ما يعوض المدة الماضية..."
أما السطور القليلة الباقية من الخطاب فتدور حول موضوع خاص بعزيز المصري... وقد حاولت أن أعثر بين أوراق مختار الخاصة على الخطابات التى "تعوض المدة الماضية" أو أي خطابات من أم كلثوم فلم أجد للأسف! فهل توقفت أم كلثوم عن مراسلة مختار؟ أم تخلص مختار من تلك الخطابات لسبب أو لأخر؟ أم فقدت بين ما فقد من أوراقه؟ لا أملك إجابة إلى الآن...
بقيت نقطة أخيرة، وهي أن حسن رمزي قبل أن يختتم الحديث في موضوع زيجات أم كلثوم يذكر أن "في الأوساط السياسية إشاعة مؤداها أن هناك مشروع زواج بين أم كلثوم وبين صحفي كبير تربطه بها صلة صداقة وثيقة ويقول مطلقو هذه الإشاعة أن الزواج سيعلن عقب عودتها من الخارج وإبلالها من مرض عينيها. ونقول نحن أن هذه الإشاعة لا أساس لها من الصحة، وإن المسألة لا تخرج عن كونها صداقة متينة وإعجابا متبادلا.."

ليست هناك تعليقات: