الجمعة، 8 يونيو 2007




مختار في القاهرة




سنوات الدراسة ومدرسة الفنون



صورة فوتوغرافية نادرة من الأرشيف الخاص لمختار

الصورة لأستاذه بول فورشيلا أحد الأساتذة الأوائل

في مدرسة الفنون الجميلة بحي درب الجماميز

بالقاهرة





كانت الفترة التي انتقل فيها مختار إلى القاهرة تشهد صعودًا للحركة الوطنية بقيادة مصطفى كامل الذي أسس فيما بعد في عام 1907 الحزب الوطني في أعقاب حادثة دنشواي. وفي أعقاب وفاة مصطفى كامل في أوائل عام 1908، انتقلت زعامة الحركة الوطنية إلى محمد فريد، وفي هذا العام 1908 شهدت مصر حدثين تاريخين مهمين على المستوى الثقافي، وكانت لهما انعكاساتهما السياسية والاجتماعية: افتتاح الجامعة الأهلية المصرية في شهر ديسمبر، تلك الجامعة التي تأسست برعاية مجموعة من المفكرين والمثقفين وبعض أفراد الأسرة الخديوية الحاكمة، وكان منهم الأمير أحمد فؤاد (الملك فؤاد فيما بعد) وأخته الأميرة فاطمة إسماعيل التي تبرعت بأملاكها وأراضيها لإنشاء الجامعة المصرية والإنفاق عليها، أما الحدث الثاني والذي وقع قبلها بشهور، وعلى وجه التحديد في مايو من نفس العام، فكان إنشاء مدرسة الفنون الجميلة على يد الأمير يوسف كمال، لقد كانت محاولة جريئة لإنشاء أول مدرسة للفنون على غرار المدارس الفنية الأوروبية تعتمد على استقدام مجموعة من الفنانين الأوروبيين لتعليم الشباب المصري أصول الفن التشكيلي. وكان محمود مختار أول طالب يلتحق بهذه المدرسة يوم افتتاحها في مايو من عام 1908، كان أول طالب يقف على باب المدرسة في انتظار اجتياز امتحان القبول، وفي أثناء وقوفه على الباب رسم على الحائط رسمًا شاهده ناظر المدرسة فقبل مختار في المدرسة فورًا، وقد التحقت بالمدرسة مجموعة من فناني الجيل الأول من التشكيلين المصريين مثل راغب عيَّاد ويوسف كامل ومحمد حسن وغيرهم لكي تبدأ مسيرة جديدة في الفن المصري بعد ما كان الفنان المصري لا يمارس إلا الفنون التقليدية التي ورثها عن الأجداد منذ العصور الوسطى، لقد بدأت بافتتاح تلك المدرسة مرحلة جديدة من تاريخ النهضة الفنية في مصر.
وفي عام 1911، أقيم أول معرض لطلاب مدرسة الفنون في القاهرة، وكانت أغلب الأعمال أقرب للزخرفة، وكان هذا المعرض أول تقديم لجيل مختار للمجتمع المصري، ولأول مرة يقدم شبان مصريون أعمالهم التشكيلية من النحت والتصوير وغيرها من الأعمال الفنية في معرض عام يشاهده الجمهور بعد أن كانت كل الأعمال الفنية الحديثة الموجودة في ميادين القاهرة أو في منازل الأثرياء أو في المعارض القليلة التي تقام في صالات العرض من أعمال لفنانين أوروبيين
وكانت القاهرة قد عرفت تماثيل الميادين في الفترة الحديثة منذ فترة مبكرة في القرن التاسع عشر ـ وأقول الحديثة لأنه في العصور الوسطى كانت هناك تماثيل أيضًا على رؤوس الجسور والكباري والقناطر، وكان يُطلق على ميدان السيدة زينب اسم ميدان "قناطر السباع"، حيث كانت هناك قنطرة أو كوبري عليه تماثيل لأسود ـ أما في القرن التاسع عشر فقد بدأ استقدام نحاتين أوروبيين لنحت تماثيل لأفراد أسرة محمد علي، ومنها تمثال محمد علي وتمثال إسماعيل في الإسكندرية وتمثال إبراهيم باشا في القاهرة وتماثيل لكبار رجال الدولة مثل لاظوغلي ونوبار وسليمان باشا الفرنساوي، وكانت التماثيل جميعها من عمل فنانين أوروبيين، حتى تمثال الزعيم مصطفى كامل الذي أقيم عقب وفاته صنعه نحات أوروبي وليس نحاتا مصريا، وقد أقيم التمثال بأول اكتتاب يتم في مصر لإقامة تمثال، إلا أنه لم يكن اكتتابا شعبيا واسعا مثل الاكتتاب الذي تم لإقامة تمثال نهضة مصر، إنما كان اكتتابا داخل إطار الحزب الوطني وأنصاره.
وفي أعقاب إنهاء مختار لدراسته في عام 1911، خرج في أول بعثة مصرية لدراسة الفنون الجميلة في باريس بمنحة من الأمير يوسف كمال، وكما ذكر الدكتور مصطفى الرزاز في تقديمه أن مختار عندما ذهب إلى باريس أعاد اكتشاف نفسه مرة ثانية وأعاد اكتشاف مصريته ومن الممكن القول بأن أعمال المرحلة الأولى من الدراسة هي أعمال مدرسية طبق فيها مختار المعايير التقليدية التي تعلمها في مدرسة الفنون والمعايير الأوروبية التقليدية لفن النحت. لكن، عندما ذهب إلى باريس عرف الجانب الآخر، فقد أعاد النظر في فن النحت المصري القديم وأعاد صياغته مرة أخرى في لحظة من لحظات التمرد وتحطيم ثوابت الفن التشكيلي وثوابت المجتمع التي كانت سائدة في هذا الوقت.
وخلال دراسة مختار في باريس قامت الحرب العالمية الأولى وقام الإنجليز بعزل الخديوي عباس حلمي الثاني وتعيين حسين كامل سلطانًا على مصر، وأصبحت مصر رغمًا عنها طرفًا في عمليات عسكرية تدور على أرضها. وهكذا، أصبحت مصر ساحة لحرب لا علاقة لها بها، أما مختار فقد أصبح مقطوع الصلة بمصدر تمويله وكما ذكر الدكتور مصطفى الرزاز اضطر أن يكون عاملاً في مصنع للذخيرة، وكان يقوم بنقل الذخائر التي تصنع منها دانات المدافع، واضطرت اليد التي تصنع الفن والسلام أن تنقل أداة للتدمير والقتل. وبمجرد أن اقتربت الحرب من نهايتها وجد مختار فرصة له للعمل بمتحف للتماثيل الشمعية في باريس و هو متحف "جريفان" للشمع، وفي هذا الوقت كان كل الفنانين الشبان من الفرنسيين في جبهة القتال، فأصبحت هناك وظائف خالية للأجانب، وتولى مختار منصبًا مهمًّا في هذا المتحف، وهناك صورًا نادرة للتماثيل الشمعية التي صنعها مختار في متحف "جريفان" للشمع ومنها تمثال لأم كلثوم وآخر لراقصة البالية آنا بافلوفا.


ليست هناك تعليقات: